الخميس، 16 أكتوبر 2008

( الانسان بناء الله على الارض، ملعون من هدمه) حديث شريف


من اجل يوم نقدس فيه الانسان العربـي

انها اروع عبارة قرأتها في حياتي ، اذ اختزلت كل ما افكر فيه و كانت كلمة الحسم بين ما نراه ونعيشه وبين ما نؤمن به او يؤمن به
الاسوياء من البشر ، نعم انها الكلمة الاجمل والاكثر دقة في وصفها لواقعنا المر والمتخبط انها كلمة (الهدم ) وليست تلك الكلمات الجزئية المسوفة في وصفها للقتل او الابادة او الايذاء او الاعتداء او التجويع او الاضطهاد وكل المصطلحات المرعبة الاخرى التي فقدت هيبتها بتكرارها اذ ان ما تمدنا به وسائل الاعلام العالمية والمحلية من صور ومصطلحات يخفف بشاعة ما يجري على رؤوس العباد والاشهاد حتى صرنا مدمنين لتلك المشاهد وتلك الاخبار والمصطلحات كصنف من صنوف السادية الغير معلنة بل ان ما يحدث في منطقتنا لو حدث في دولة من دول الموز والكاكاو لكان سببا لرفضهم وتوحدهم وهبوا لمواجهة كل من يمس حياتهم او كرامتهم لكننا اكتفينا بالمشاهدة واكتفينا بالصمت وتقبلنا بكل سهولة ما يحدث.
الهدم ليس فقط ان نقتل انسانا فنحيله الى جثة هامدة بل الهدم الافظع ان نقتل كل شيء جميل وبريء وطاهر في داخل بني جلدتنا فيصبحون امواتا احياء تمضي بهم الايام والسنون فلا خلاص ينجيهم ولا شفاء يخفف عنهم ، اني وبسبب هوسي المفرط بالعقل البشري حاولت جاهدا ان اعرف ما يشعر او يفكر به الناس من اصدقاء وزملاء واقارب وحتى من الذين التقي بهم لقاءا عابرا والذي يصدمني في كل مرة ان لدى كل واحد فينا الف قصة وقصة تثير من الأسى ما لا يسعني معه الا ان اكتم غصتي، اننا فعلا امة ميتة حية تقبلت وبكل سكون وتواني الذل والمهانة والقسر رغم تبجحنا بتراث الاباء والاجداد المشحون بقيم الكبرياء والمنعة وان كنت اجده تراثا خاويا في محتواه لأنه اختزل في بيت شعر عربي واحد يقشعر منه بدني كلما تذكرته وهوعندما يقول شاعرهم وبكل فخر واعتزاز
والظلم من شيم النفوس فأن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
ولشد ما فرحت وصعقت في آن معا عندما قرأت تقريرا حول رواندا افاد انها قد تحولت الى مركز تكنلوجيا الاتصالات في غرب افريقيا وجنوب الصحراء بعد خمسة عشر عاما من المذابح المروعة حتى استحقت لقب سنغافورة الافريقية رغم كل ما مرت به ورغم الايدز والفقر والعزلة عن البحر وضعف الموارد حتى اصبح ما تنتجه في هذا القطاع يفوق ما تنتجه افريقيا السوداء الفقيرة الثرية بأجمعها ،فرحت لان شعب رواندا اثبت ان الحياة تستمر وحزنت لان شعوبنا العربية تثبت يوما بعد يوم ان الحياة ليست حتى شيئا جديرا بالاهتمام.
اني اكتب هذه الكلمات وتمر بخاطري صور ومشاهد أناس تحاورت معهم وحتى ما ممرت به كأنسان عربي - لأني اعتقدت وما زلت اعتقد اني لن اتمكن من فهم نفسي ما لم افهم الاخرين - وفي احد الايام هزتني دموع رجل مسن تناقشت معه حول ما يحدث في دولة عربية من قتل وابادة وقد استذكر حينها مشهدا رآه بالامس على الفضائيات للجثث المتناثرة والمتقطعة لمذبحة شبه يومية تجري في تلك الدولة ، انها المرة الاولى التي اشاهد رجلا يبكي على الاقل في سن مثل سنه لكن دهشتي لم تدم عندما تذكرت انه ليس من جنسية عربية بل على العكس ان بلده قد مر بحرب دامية مع الدولة المذكورة، ان هدم الانسان العربي الجمهوريات الملكية لا يحدث في الاقبية والسجون السرية بل يحدث بين ظهرانينا وامام اعيننا فلا نجيب صريخا ولا نحرك ساكنا وان فعلنا شيئا فاننا وللاسف نكتفي بالاعراب عن الاسف !!!!
ان خطورة الهدم البشري بشقيه الجماعي والفردي تكمن في طبيعتها فهي عملية تفاعلية تسلسلية متشعبة فأننا اذا مسخنا انسان او مجموعة من الناس فأننا نخلق وضعا يستنسخ نفسه مع مجاميع او افراد آخرين وليست كعملية الهدم المادي التي تحيل البناء الى ركام لا حراك فيه فهي عملية تجري بأتجاه واحد، اننا بحاجة الى ان نتكلم وان نناقش ونرفع الاغطية، بحاجة الى خلق احساس بالادمية الحية،يجب ان ننوع مصادرنا المعرفية والفكرية بل وحتى العقائدية، ان نمر بعملية شفاء طويلة وصعبة وربما بحاجة الى يوم واحد من ايام السنة المملة نخصصه لقدسية الانسان العربي نعلن فيه ان الانسان بناء الله على الارض، ملعون من هدمه.

ازهر مهدي

ليست هناك تعليقات: